فرات الشعر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
فرات الشعر

منتدى محمّد حسين حدّاد الأدبي

بوابة الشعراء محمّد حسين حدّاد
http://www.poetsgate.com/poet_2097.html
للتواصل
hddad1962@yahoo.com
فرات الشعر  موقع محمّد حدّاد الأدبي
www.hddad.4t.com

مصحح لغوي
hddad1962@hotmail.com
موسوعة الشعر العربي محمّد حسين حدّاد
http://arabicpoems.com/home/poet_page/13471.html?ptid=1
اتصل بنا
mhddad@yahoo.com
مصحح لغوي / مراجعة وتدقيق وكتابة
 0502154008

فرات الشعر صفحة محمد حسين حداد الأدبية فيس بوك

 https://www.facebook.com/FratAlshr?ref=hl


    التناص، تثقيف أم تثاقف؟!

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 109
    نقاط : 328
    تاريخ التسجيل : 15/12/2010
    العمر : 61
    الموقع : فرات الشعر

    التناص، تثقيف أم تثاقف؟! Empty التناص، تثقيف أم تثاقف؟!

    مُساهمة  Admin السبت مارس 12, 2011 10:44 am


    التناص، تثقيف أم تثاقف؟!




    التناص أو التناصص لغةً: مصدر الفعل نصَّ على وزن تفاعل· وهذه الصيغة تعطي شكل التشارك أو المشاركة في شيء بين اثنين أو أكثر·
    و(نصَّ) الشيء رفعه وبابه ردَّ، ونصَّ الحديث الى فلان رفعه إليه، ونصُّ كل شيء منتهاه (1)·
    وإذا كان التناص هو الترافع أو التشارك في رفع شيء فإن انقطاع المصدر عن هذا الشيء وعدم تعديه إليه يجعل المشاركة في ترافع نصين بذاتهما فيكون التناص: التشارك بين نصين في رفع وإظهار ذاتهما والتداخل فيما بينهما·
    والتناص ـ دلالةً ـ هو تشكيل نص جديد من نصوص سابقة أو معاصرة تشكيلاً وظيفياً بحيث يغدو النص المتناص خلاصة لعدد من النصوص التي امحت الحدود بينها (2)·
    وذلك: طلباً لتقوية الأثر، أو توسعاً في القول بالإحالة على نصوص أخرى (3)·
    وإذا كان التناص (intertextuality) مصطلحاً حداثوياً قريب العهد والولادة تضرب جذوره عند الشكلانيين الروس وتمتد فروعه التي أتت أُكلها عند البنيويين الفرنسيين وما بعد البنيوية فإن البعض يزعم وجود هذا المصطلح تحت تسمية مغايرة في النقد العربي القديم كالتضمين أو الاقتباس أو حتى السرقات الأدبية ولكن الفروق شاسعة ما بين التضمين والتناص·
    فالتضمين يحافظ على طبيعة النص الأصلي إذ يؤتى به للاستشهاد أو التمثل أو التشبيه أو لقصد بلاغي أو سوى ذلك، فيبقى النص القديم دخيلاً تزيينياً هو الذي يتكلم في النص الجديد وهو الذي يشرح ويفسر وخصوصاً اذا كان القول المستعار معروفا "لأن الشاعر يحيل بالمعهود على المأثور· وإذا وقعت الاحالة على الموقع اللائق بها فهي من أحسن شيء في الكلام" (4)·
    ولكن التناص عضوي موظف يصاغ فيه القديم صياغة جديدة فلا تظل فيه سوى إشارات بعيدة إلى النص الغائب، وهو استلهام للمخزون الثقافي والأساسي المعرفي يمتص النص المستدعى ـ سواء كان الاستدعاء قصدياً أو لا قصدياً ـ ليمتزج معه فيجريان عمليات توافقية مختلفة تداخلاً وتحويلاً فيندمجان اندماجاً كاملاً يؤدي ويخلق >النص الغائب< ويشير إليه ويوظفه في أن يقول ما يقول النص الجديد· وبمقدار ما كان هذا الاستلهام موفقا في التماهي مابين النصين بعيداً عن حدود التضمين والاقتباس، كان التناص أبرع وأنجع·
    ولعل أفضل الأمثلة على التناص نجدها عند الشاعر ـ الناقد الأمريكي ـ الانكليزي ت·س·إليوت (1888 ـ 1965) ولاسيما في قصيدته الأرض الخراب أو الأرض اليباب حيث يستلهم إليوت خمسةوثلاثين كتاباً وبست لغات وكل ما يفعله في هوامشه أن يشير الى مصدر النص الأصلي وهذا معنى التناص بصورته الحديثة التي انتقلت الى غيره من الشعراء·
    وإذا كان الزعم من وراء الاشارة على الهامش إلى المصادر المقتطف منها هو دفع تهمة السرقة الأدبية بشكل غير مباشر وتثقيف المتلقي بإرشاده الى ما فاته الاطلاع عليه كما تقول آراء إليوت النقدية في العديد من دراساته· فإلى أي مدى يمكن للقارىء أو المتلقي تصديق هذا >الدفاع عن النفس< واعتبار هذه العملية الثقافية تثقيفية وليست تثاقفية؟·
    ولعل أول المتأثرين بإليوت وبمفهوم التناص من الشعراء العرب هو الشاعر بدر شاكر السياب (1926 ـ 1964) وخصوصاً بقصيدة الأرض الخراب لإيليوت· فيكثر السياب من تضمين الرموز والإشارات والتفسيرات والشروحات المستفيضة على الهوامش·
    ففي قصيدة (من رؤيا فوكاي) مثلا· وتحديدا في المقطع الأول من هذه القصيدة يكثر التناص بشكل كبير وأحيانا ينزل الى حدود التضمين والاقتباس وعند مراجعة الهامش نرى التفسيرات والاشارات أكبر من القصيدة، أكبر منها حجماً وكماً وربما كيفاً·
    ولسنا في صدد تقييم للسياب ولتجربته الشعرية ولكن ألا يحق لأي قارىء أن يطرح سؤالاً مشروعاً بعد قراءة هذه القصيدة أو قصائد أخرى مثل (المومس العمياء) و(حفَّار القبور) و(الأسلحة والأطفال)، وبعد أن يجد السياب مهووساً بكثرة التناص، ألا يحق السؤال: تثقيف أم تثاقف؟
    وما يعطي أحقية السؤال أمران: الأول: كثرة التناص بحيث يصل الى حد يرهق القصيدة والمتلقي معا، هذا المتلقي الذي أراد قراءة هذه القصيدة أو تلك ليكوّن انطباعاً يدغدغ حسه الأدبي وذائقته الفنية والجمالية فيجد أنه أمام درس تثقيفي صعب يحتاج منه الى عدة قراءات·· والثاني: هو سرعة الاستجابة لهذا المفهوم أو المصطلح (التناص) وكأنا الشاعر العربي ـ سواء أكان السياب أو مجايليه من شعراء الخمسينيات ومن بعدهم ـ أقول كأنما الشاعر العربي يفتح ذراعيه لكل وافد غربي جديد فيحاكيه ويقلّده مهما كان هذا الوافد حاملاً من ايجابيات أو سلبيات·
    وأين هو الاستلهام والتداخل مع النص الغائب في هذا التناص إذا كانت الاستجابة سريعة جداً ولم يلبث الرمز أن يستريح في اللا شعور بحيث يستقصي ويستدعى فيما بعد على أنه من الأرضية الثقافية أو الخلفية والأساسي المعرفي· وخصوصاً عندما نجد السياب يضمّن سبعة أبيات بحرفيتها للشاعرة الانكليزية (إيدث ستويل) وهي معاصرة له· فهل كانت مهمة السياب التثقيفية هي إطلاعنا على شعر ستويل أم إخبارنا بأنه معجب بشعرها ومطلع عليه أم من باب الدعاية لها، أم··؟
    أعود وأقول لسنا في صدد تقييم السياب بل ربما يكون من أفضل من استخدم التناص في بعض المواضع ولكنه رغم ذلك (زاد عن الحدّ) في مواضع أخرى وكان ما يورده تضميناً واقتباساً وليس تناصاً بمفهومه المعرفي والدلالي·
    وبما أن هذا المفهوم (التناص) يساعد في دراسة النص الشعري من العمق وليس بشكل سطحي أو أفقي· وبما أنه يلقي على عاتقه الحفاظ على الثقافة والتذكير بها عندما (يحيل بالمعهود على المأثور) فيبقى هذا المأثور حياً· فإن له قيمة ثقافية كبيرة لا يمكن تجاهلها· كما أن التأثير والتأثر موجودان منذ القديم ولا يمكن لتجربة فردية أو موهبة شعرية ما أن تكوِّن نفسها دونما تواصل حي مؤثر ومتأثر بتجارب الآخرين· ولكننا نكرر قولنا: كلما كان النص القديم مهضوماً ومتداخلاً بل ومتماهياً مع النص الجديد كان التناص أبرع وأكثر فائدة وأعمق فناً·
    وهكذا فإن مفهوم التناص يمكنّنا من دراسة النص الشعري دراسة من العمق تسير أغواره وتحدد معالمه وتكشف الأرضية الثقافية أو الأساس المعرفي والمنابع التي يستقي منها الشاعر، كما يحدد لنا طبيعة ثقافة الشاعر أو مذهبه أو حتى أيديولوجيته·· مما يجعل هذا المفهوم أساسا هاما من أسس الدراسات النقدية· عن طريقه يُدخل الى عالم النص الابداعي فتحدد معالمه ومرتكزاته ومدلولاته ومراميه··
    وبذلك يكون دور هذا العمل الثقافي دوراً تثقيفياً هاماً· أما الذين يبالغون ويعملون الفكر في استقصاء النصوص المختلفة وتضمينها بشكل مفرط فإن ذلك العمل لا يعدو كونه تثاقفيا فظاً لا طائل منه ولا فائدة فيه ترتجى·



    الهامش
    1ـ راجع معاجم اللغة·
    2ـ مجلة الموقف الأدبي ـ ايلول 1996 ـ العدد 305·
    3ـ مجلة الوحدة ـ السنة السابعة ـ العدد 28/38 يوليو/ اغسطس 1991
    4ـ القرطاجني/ منهاج البلغاء وسراج الأدباء تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ـ بيروت ط2/1981·



    محمّـد حسين حـَـدّاد


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت مايو 18, 2024 11:28 pm