قراءة عبثية
خديجة (*)
هاجس الوطن وانتماء القصيدة
في البدء كانت الشّام، بلاد التّين والزّيتون، وكان الصّبح نقياً، والهواء·
ثمّ كانت العودة إلى الجذور، إلى الجزيرة، فكان الحضور شقائق النعمان، والاستبشار بالخير مطراً يغسل تعب القرى·
كان الانتظار قمراً·· وخديجة على مدِّ البصر حين طلعت، كانت نقية مثل هواء الصباح العليل·
أدخلت البهجة إلى قلوب الأطفال، فأزهر حديثها حين همَّت بالكلام،
كانت خديجة مرتبطة بجذورها، دافئة كلماتها، لكنها حين اصطدمت بالواقع تحدّثت بوجع اللوح الأسود··
والمدن اللقيطة فاضح عريها، فمَنْ؟··
سكتت خديجة والتناص (تبينوا) والتضمين (من يسرق) أغلقت فمها، وأطلقت خيولها باتجاه الشمس حيث الوضوح، ولا مجال لستر الكلام تحت ضوء الشمس·
باحت للعصافير وبشّرت بالحبّ قبل الطعام، مع السّلام والأمان، حين يكون الكلام موجعاً، والقلب مضرّجاً، والحَمَام··
استنطقت خديجة التاريخ، وحذّرت من طعنة غادرة، باحت بأول الحروف··
ولما اشتعل الكلام وضجَّ البوح صرخت: زيف وزيف، والحقيقة غيوم صيف تبخّرها رمال الصحراء··
هو التعب في كل مكان، والضياع في الرمال·
ولا وطن سوى الرماد، والصمت لغة حين تثار الأسئلة؟·
رمادٌ·· رماد!!
النّخيل يفقد كبرياءه وينحني حين يجف الطين، ويهاجر الوجع بحثاً عن الأمان ولا أمان!
نوافذ الشوق مشرعة والوفاء الوفاء
خديجة القصيدة، وجه الزمن،
وجه الوطن، حين يعزّ الوطن·
صرخة التحدّي والصدق في حبّ الوطن والانتماء إليه حين يخلع الناس جلودهم ويتنكرون للوطن·
وصوليّو الأقلام، المتسلّقون الجرائد والمتاجرون بها
صيحة استنكار وحزن دفين للناسين الوطن،
اللابسين أردية لا تليق بأصالتهم، ولا علاقة لها بجذورهم وطبيعتهم التي جبلوا عليها·
خديجة الحبيبة، خديجة القصيدة، الباحثة عن وطن بديل ولمّا تجد، رغم البحث، والعناء، والركض، عادت إلى الجذور·
تعبت واستكانت لوطن بخيل، سلمت أمرها··
لكنه السّراب، والخرافة، والزّيف، والخداع، والموت البطيء!
والنّخيل لم يتعب بعد من الوقوف وإن بَعُدَ السّحاب وإن كثر من حوله الضباب·
الالتصاق بالأرض أمان، والتراجع طهرٌ ونقاء حين ينتشر فوق الأرض اليباب·
ليبقى الوطن تراباً، ضباباً، سراباً، لا فرق ما دام النّخل واقفاً بانتظار السّحاب·
ولمّا عادت خديجة لتكتب اللوعة، الشوق، والحنين··
جفَّ ماء البحر (التناص) وحين صرخت استحالت صرخة الرفض نبتة تشبّثت في رمال الصحراء·
بكت، كانت دمعتها حارة، واسترجعت:
المطر لا يزور صحراء تعبت أكفّ الريح بها، وانهزم جواد الحبّ مطلقاً للريح ولرمل الصّحراء ساقيه المتعبتين·
وكان الاتحاد، الشّاعر والقصيدة، الشّاعر وخديجة، فكان السّكون لحظة، والحلول في الكون··
فانتشر الدّفء، الحنان، السّلام، وضجَّ الكون بالحبّ:
نحبّ نحبّ··
اكتشاف الحبّ الساكن في الأعماق بداءة الأشياء
خلق، تكوين، وتشكيل، هو الحبّ حين يكون، يكون الدفء والتعب، هو الحبّ العفوي فمن يكذب؟!
نحن الحبّ··
ما كذب الهوى، ولا اتحاد الحبيبين·
حين طلعت خديجة من كلّ شيء، وأشرقت على كل شيء، كبرت القرى وأزهرت، وكبر الهوى وما كذب أبداً، ولا كذبت القرى التي أشرقت مع خديجة وغنَّت لها··
دفء اللحظة الأولى،
وطعم الخبز ممزوجاً بطعم الرّمل!
* (خديجة) للشاعر محمّد جبر الحربي··
راجع المجموعة
محمّد حسين حدّاد