حلم ليلة صيف..
(1)
فِي تِلكَ الليلَةِ،
كَانَ الليلُ جَمِيلاً,
وَنُجُومُهُ مِن خَلفِ الشُّبَّاكِ تُضُاحِكُنِي:
هَذَا الصَّيفُ جَمِيلٌ.
البَدرُ يُلازِمُ نَافِذَتِي!
كُنتُ وَحِيدَاً فَوقَ فِرَاشِيْ.
مِصبَاحُ الغُرفَةِ وَحدَهُ كَانَ مَعِيْ.
عَينَايَ مُعَلَّقَتَانِ بِسَقفِ الغُرفَةِ،
وَبَقَايَا التَّبغِ..
تُعَاينُ رُكْنَاً تَرقُدُ فِيهِ،
فَالصَّحنُ مَلِيءٌ بَرَمَادٍ وَثِقَابْ.
فِنجَانُ الشَّايِ تَغَيَّرَ لَونُهُ،
أفرَغتُهُ فِي جَوفِي مُنذُ قَلِيلْ!
دَفتَرُ أشْعَارِي لَيسَ بَعِيدَاً عَنِّي
وَالوَرَقُ الأبيَضُ..
دِيوَانُ المُتَنَبِّي، وَالسَّيَّابْ.
أشرِطَةُ التَّسجِيلِ، وَأقلامُ التَّخطِيطِ
هُنَا وَهُنَاكْ.
وَعَلَى الحَائِطِ رَسمٌ لِلدَّيرِ، وَفِي الزَّاوِيَةِ اليُسْرَى
كُتُبٌ مُهمَلَةُ التَّرتِيبِ، وَبَعضُ ثِيَابْ.
هَذِهِ حَالُ الغُرفَةِ..
فِي تِلكَ الليلَة مِن آبْ!!
(2)
فِي تِلكَ الليلَةْ،
وَلَيَالِي الصَّيفِ جَمِيلَةْ.
الأنَجمُ خَجَلَى، فِي الأفقِ تَلُوحُ هُنَا وَهُنَاكْ.
كَانَ البَدرُ - وَحِيدَاً -
يَغزِلُ نُورَهُ أَردِيَةً لِنُسَيمَاتِ الليلِ
فَتُسقِطُهَا كَلَجِينٍ فَوقَ الأشَّجَارْ!
يَلبَسُهَا لِثَوَانٍ، فَتُمَزِّقُهَا الرِّيحُ،
وَتَهدِيهَا لِلعُشبِ السَّاكِنِ تَحتَهُ
فِي صَمْتٍ وَخَفَرْ!!
(3)
فِي تِلكَ الليلَةِ،
قَامَت فَيرُوزُ بِثَوبٍ أبيَضَ
مِن تَحتِ الأشرِطَةِ المُهمَلَةِ التَّرتِيبْ.
كَانَت كَفَرَاشٍ حَامَ، وَطَارَ،
وحَلَّقَ فِي الغُرفَةِ،
ثَمَّةَ كُرسِيٌ..
حَطَّت فَيرُوزُ عَلَيهِ، جَلَسَتْ
كَمَلاكٍ خُلِقَ الآنَ أمَامِي.
طَاهِرَةً كَانَت وَنَقِيَّةْ
سَاحِرَةً كَانَتْ..
مِثلَ الحُورِيَّاتِ عَلى جُزُرٍ مَنسِيَّةْ.
فَوقَ الكُرسِيِّ، أمَامَ فِرَاشِيْ
جَلَسَت فَيرُوزُ وَغَنَّتْ.
سَيِّدَةَ الحُزنِ جَمِيلٌ صَوتُكِ
يَنسَابُ كَأُدعِيَةِ الصُّوفِيِّينَ،
كَشَلاَّلِ النُّورِ..
يَذُوبُ سُلافَاً فِي الرُّوحِ،
أذُوبُ كَقَطرَةِ طَلٍّ نَسِيَتهَا الشَّمسُ صَبَاحَاً
لَكِنَّ الوَردَ شَكَاهَا لِلغُصنِ
فَسَالَتْ فَوقَ الأورَاقْ!!
(4)
فِي تِلكَ الليلَةِ،
فَوقَ فِرَاشِي أَتَقَلَّبُ
وَالنَّومُ يُرَاوِدُنُي بَينَ الفَينَةِ وَالفَينَةْ.
ثَقُلَ الرَّأسُ وَصَارَ بِحَجِمِ الغُرفَةْ.
أَطفَأتُ لُفَافَةَ تَبغٍ أُخرَى,
فَدُخَانُ التَّبغِ يُضَايِقُنِي
فَوقَ فِرَاشِيْ، يَرسُمُ أشكَالاً مُرعِبَةً
وُطوَاطَاً،
تِنِّينَاً ضَخمَاً،
عَنقَاءَ، وخِنزِيرَاً.
أَنفُخُهَا،
تَتَشَتَّتُ أَشْرِعَةً وَجَمَاجِمْ!
تَأخُذُ أشكَالاً أُخرَى،
هَذَا أحمَدُ، تِلكَ رَبَابُ
وَهَذَا المَرحُومُ أخِي.
فَأَمُدُّ يَدِي لأصَافِحَهُ؛
يَأخُذُ شَكَلَ أبِي الهَولِ
وَيَهرُبُ مِنِّي.
بَعدَ قَلِيلٍ انشَقَّ جِدَارُ الغُرفَةِ
مِن زَاوِيَةِ المَشرِقِ فَغَامَت عَينَايْ.
صَرَختُ بِصَوتٍ عَالٍ:
يَا اللَّهُ..
فَامتَدَّت نَحوِي كَفٌّ،
كَفٌّ ليسَت مِثلَ أَكُفِّ النَّاسِ،
صُعِقتُ!
شَيخٌ هَيئَتُهُ كَمُلُوكِ الجَانِ،
نَهَضْتُ أُلاقِيهِ
مَا حَمَلَتنِي قَدَمَايْ،
أشَارَ إِليَّ وَقَالْ:
مَلِكُ المَوتِ أنَا
دَورُكَ حَانَ،
وَإِنِّي عَبدُاللَّهِ..
أغمَضتُ بِرُعْبٍ عَينَيَّ
صَرَختُ طَوِيــــــــــلاً..
مَا سَمِعَت أُذنَايَ صُرَاخِيْ
أَيقَنتُ هَلاكِيْ!!