فرات الشعر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
فرات الشعر

منتدى محمّد حسين حدّاد الأدبي

بوابة الشعراء محمّد حسين حدّاد
http://www.poetsgate.com/poet_2097.html
فرات الشعر  موقع محمّد حدّاد الأدبي
www.hddad.4t.com

مصحح لغوي
hddad1962@yahoo.com
موسوعة الشعر العربي محمّد حسين حدّاد
http://arabicpoems.com/home/poet_page/13471.html?ptid=1
اتصل بنا
mhddad@yahoo.com

فرات الشعر صفحة محمد حسين حداد الأدبية فيس بوك

 https://www.facebook.com/FratAlshr?ref=hl


    يَوْمَ وُلِدْتُ..

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 401
    نقاط : 1208
    تاريخ التسجيل : 15/12/2010
    العمر : 61
    الموقع : فُرات الشِّعر

    يَوْمَ وُلِدْتُ.. Empty يَوْمَ وُلِدْتُ..

    مُساهمة  Admin 2024-06-25, 4:58 pm



    يَوْمَ وُلِدْتُ..


    فِي تِلكَ اللَّيلةِ،
    كَانَ اللَّيلُ طَوِيلاً
    وَصَهِيلُ الرِّيحِ يَدُقُّ البَابَ،
    بِتِشرينِ الثَّانِي.
    في تِلكَ اللَّيلةِ،
    أُمُّي تَصرُخُ،
    وَالعَرَقُ المُتَصَبِّبُ فَوقَ الجِلدِ
    حُبَيبَاتُ نَدَىً..!
    فَالطَّلقُ شَدِيدٌ،
    وَالمَدفَأةُ البَاعِثَةُ الدِّفءَ
    تُرَاقِبُ فِي صَمتٍ مَا يَجري.
    لَهَبُ القِندِيلِ يُقَاوِمُ إعيَاءً دَبَّ بِهِ،
    وَأبِي تَلبَسُهُ الحَيرَةُ..!
    يَمسَحُ عَن أُمُّي العَرَقَ البَارِدَ،
    يُغلِقُ بَابَ الدَّارِ
    وَتُخفِيهِ الظُّلمَةُ فِي عَجَلٍ.
    فَالوَقتُ قَصِيرٌ لا يُسمَحُ بِالتَّأخِيرِ
    يُتَمتِمُ:
    يَسِّر يَا رَبِّ وَلا...،
    يَتَلاشَى فِي الرِّيحِ،
    وَحِيداً..
    فِي الدَّربِ، تُلاحِقُهُ خُطُوَاتُهْ،
    فَوقَ البِرَكِ المَائِيَّةِ،
    تَرسُمُ آثَارَاً يَمحُوهَا المَاءُ،
    يَدَاهُ، تَلمَّسُ بَعضَ نُقُودٍ:
    تَكفِي، لا تَكفِي..؟
    هَزَّ الرَّأسَ:
    سَتَكفِي، "فَالسَّرَّارَةُ" طَيِّبَةٌ،
    وَعَلى يَدِهَا كَانَ الخَيرُ..
    ثَلاثَةُ أطفَالٍ مِن قَبلُ،
    وَهَذَا الرَّابِعُ..!
    الطُفْ يَارَبْ.

    عَلَى استِيحَاءٍ، فِي تِلكَ اللَّيلَةِ
    مِنْ تِشرينِ الثَّانِي.
    قَرَعَ البَابَ،
    وَأرجَعَ خُطوَتَهُ.
    انتَظرَ،
    : الرَّحْمةَ..!
    كَرَّرَ ثانيةً،
    والصَّوتُ الخَائفُ مِن خلفِ البابِ
    تَقَطَّعَ: مَن، مَـ...ن أنـ...تَ..؟
    : أبو مُوسَى، هَيَّا امرَأتِي تَلِدُ،
    الطَّلقُ يُحاصِرُها.

    أُمُّي فِي البَيتِ تلَوَّى
    مَا زَالتْ.
    وَأخِي الأكبَرُ فَي تِلكَ اللَحَظَاتِ
    استَيقَظَ، أُمُّي رَمَقَتهُ..!
    وَالحَيرَةُ فَوقَ مُحَيَّاهُ:
    هَذَا الطِّفلُ البِكرُ.
    رَجَتهُ فَقَد صَارَ كَبيرَاً،
    أَن يَذهَبَ رُغمَ البَردِ إلى خَالَتِهِ،
    فَالدَّربُ إِلَيهَا لَيسَ بَعِيدَاً.

    فِي تِلكَ اللَّيلةِ،
    كَانَ أبِي مَعَ أكبَرِ أطفَالِهِ
    خَارِجَ غُرفةِ أُمُّي.
    يَقِفَانِ..
    كَأنَّ الطَّيرَ عَلى رَأسِ أخِي الأكبَر..!
    خَلَعَ "السُّترَةَ" لفَّهُ فِيهَا
    فَأبِي لَيسَ بِحَاجَتِهَا.
    عَظمُ الأطفَالِ طَرِيٌ لا يَحتَمِلُ البَردَ،
    وَعَظمُ أبِي خَشِنٌ..!
    قَبَّلَهُ..
    كَبِرَ الطِّفلُ بِعَينِ أبِيهِ،
    رَجَلاً صَارَ،
    غَدَاً يَأتِي بِالخُبزِ،
    وبِالخُضرَةِ،
    يَرعَى إخوَتَهُ، وَيُسَاعِدُهُم فِي الوَاجِبْ.
    فَأبُوهُ أُمِّيٌّ،
    لم يَدخُلْ مَدرَسَةً أو "خُوجَا"..!

    فِي تِلكَ الليلةِ،
    مَا زَالَت تَصرُخُ أُمُّي،
    والخَالَةُ تُحُضِرُ أشيَاءً تَطلُبُهَا "السَّرَّارَةُ":
    المَاءُ الفَاتِرُ، و"الطِّشتُ" وأشيَاءٌ أُخرَى..
    وَالمَدفَأةُ البَاعِثَةُ الدِّفءَ أفَاقَتْ،
    وتَرَاقَصَ فِي القِندِيلِ اللَّهَبُ الأصفَرْ.

    مَا زَالَ العَرَقُ البَارِدُ، مِثَلَ حُبَيبَاتِ نَدَىً
    يَنضَحُ مِن أُمُّي، فَتُجَفِّفُهُ الخَالَةُ،
    فَالسَّرَّارَةُ تُؤلِمُهَا بِالضَّغطِ عَلى البَطنِ المَنفُوخِ
    كَقِربَةِ مَاءْ..!
    : سُبحَانَ اللَّهِ،
    هَذَا الطِّفلُ شَقِيٌّ..!!
    يَصرُخُ..
    تَبتَسِمُ الخَالَةُ
    تُغمِضُ أُمُّي فِي فَرَحٍ وَتُدَارِي دَمعَتَهَا.
    : وَلَدٌ ثَالِثْ..؟!
    حَمدَاً للَّهِ.
    تَهمِسُ فِي أُذنِ الخَالَةِ،
    تَهرَعُ لِلخَارِجِ:
    مُبَارَكٌ
    وَلَدٌ كَالبَدرِ، وَلَدْ..!
    وَتَعُودُ عَلَى عَجَلٍ،
    فَالسَّرَّارَةُ مَا زَالَت تَعبَثُ بِالطِّفلِ،
    تُقَلِّبُهُ كَالدُّميَةِ بَينَ يَدَيهَا،
    تَغسِلُهُ بِمُسَاعَدَةِ الخَالَةِ،
    بَعدَ قَلِيلٍ يَسكُتُ،
    فِي "لَفَّتِهِ" سَيَنَامْ.

    أُمُّي فِي إِغمَاءَتِهَا،
    وَالشَّعرُ اللَّيلُ المَنثُورُ،
    وَهَذَا الصَّدرُ الصَّاعِدُ، وَالهَابِطُ فِي عَجَلٍ
    "رُوجَاتُ" فُرَاتْ.
    أُمُّي وَالقِندِيلُ يُضِيئَانِ..!
    وَهَذَا الدِّفءُ النَّابِعُ مِن عَينَيهَا
    لَفَّ الطِّفلَ، وَقَبَّلَ عَينَيهِ.
    ذَلِكَ..
    أَخجَلَ مَدفَأةَ الغُرفَةِ، فَانْطَفَأتْ..!

    أبِي، وَأخِي الأكَبَرُ مَا زَالا فِي الخَارِجِ.
    يَبتَسِمُ الاثنَانِ،
    فَبُشرَى الخَالَةِ غَالِيَةٌ.
    دَمعَةُ حُزْنٍ تَطفِرُ،
    يَدنُو، يَحضُنُهُ:
    جِئنَاكَ بِطِفلٍ تَلهُو مَعَهُ،
    وَغَدَاً سَتُعَلِّمُهُ،
    مِثلُكَ يَكبَرُ
    يَأخُذُ عَشرَةْ،
    وَيَفُوقُ اِبنَ "الزَّنكِيلِ" بِحَارَتِنَا.
    يَسبقُهُ، يَضرِبُهُ...
    مَاذَا سَنُسَمِّيهِ..؟
    اختَر مَا شِئتَ.
    أخِي فِي فَرَحٍ: "مُحَمَّد".
    جَدِّي قَالَ عَلى اسمِ نَبِينَا:
    "مُحَمّد"
    أَردَفَ بِالهَمسِ أبِي:
    صَلَوَاتُ اللَّهِ عَليهِ، سَيَكُونُ كَذَلِكَ
    نِعمَ الاسمُ وَبِئسَ الفَقرُ،
    "وَمَا ضَاقَت إلاَّ فُرِجَتْ"..!

    فِي تِلكَ اللَّيلةِ،
    يَومَ وُلِدتُ.
    أبِي سَهِرَ اللَّيلَ بِطُولِهْ،
    سَهِرَ القِندِيلُ وَحِيدَاً مَعَهُ،
    وَالبَردُ كَذَلِكَ..!
    لَم تَعرِفْ جَفنَاهُ النَّومَ،
    فَمَا أحلَى تِلكَ اللَّحَظَةِ،
    مَا أَجمَلَ أنْ يُولَدَ طِفلٌ
    تَكتَحِلُ العَينَانِ بِهِ،
    وَيُسَرُّ بِهِ بَعدَ عَنَاءٍ أَبَوَاه..!

    .. فَأبِي هَذَا،
    كَانَ وَما زَالَ صَنَوبَرَةَ الدَّارِ..!
    وَرُغمَ الجَذْعِ المَائِلِ تحَنَانَاً..
    مَا زَالت قَاسِيَةً تِلكَ الأفرُعُ،
    مَرَّ اثنَانِ وَسِتُّونَ خَرِيفَاً،
    كُلُّ خَرِيفٍ يَهمِسُ فِي أُذنِ أخِيهِ:
    هَذَا (الزُّكرْتْ) مَا زَالَتْ ثَمَرَاتُهُ
    تُزهِرُ كُلَّ رَبِيعٍ..!؟
    هَذَا (الزَّلمَةْ)،
    مَنْ فَقَدَ اثنَينِ وَسِتِّينَ رَبِيعَاً
    حَتَّى يَكبَرَ أولادُه..!
    قَد خَانَتهُ قَلِيلاً عَينَاهُ،
    فَبَرِيقُهُمَا خَفَّ، وَلَمَّا...
    لَكِنْ مَا زَالَتْ تَنبُعُ حُبَّاً عَينَاهُ..!
    فَأبِي هَذَا الكَوكَبُ، دُرِّيٌّ
    تَسْبَحُ فِي عَينَيهِ تِسعَةُ أَقمَارٍ،
    تَغفُو مَا بَينَ الهُدبَينِ،
    تُكَسِّرُ حُزنَ الأَيَّامِ،
    وَتَبتَسِمُ الشَّمسُ لَهُم كُلَّ صَبَاحْ..!
    فَأبِي هَذَا،
    عُنوَانُ الصِّدقِ مَعَ الذَّاتْ
    لا يَخلِفُ وَعداً يَقطَعُهُ
    يَحرِمُ نَفسَهُ مِن لُقمَةِ خُبزٍ حَتَّى يُطعِمَنَا
    يَحرِمُ نَفسَهُ مِن كُلِّ جَدِيدٍ،
    مِن أَحذِيَةٍ وَثِيَابْ،
    مِنْ مَا لَذَّ، وَطَابْ.
    وَيُضَحّي ..
    فَيَدَاهُ لَم تَتعَبْ بَعدُ،
    أَبِي هَذَا الإنسَانُ عَجِيبٌ..!
    وَخِصَالُهُ
    لا يُحصِيهَا عَدُّ.
    كَمَا لِلدَّيرِ فُرَاتٌ،
    صَارَ فُرَاتُ البَيتِ أبِي..
    فَنِعِمَّاهُ..!!

    ***


    📓 #قالت_عائشة  ط 1 / 2019
    ✍.. #محمد_حسين_حداد
    📚 #فرات_الشعر
    💌 #فوتوشعر

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-09-29, 2:12 am