هَذَيَانُ حُمّى..
1
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
وَعَيْنَاكَ الدَّامِعَتَانِ تُطِيْلانِ النَّظَرَ إِلَىْ زَوْجَتِكَ وَهِيَ تَحمِلُ كَأْسَ الْبَابُوْنَجِ وَحَبَّتَي "الإِنْتِي بْيُوتِكْ" وَ"الْبَنادُولْ"..!
هَلْ قَرَأْتَ فِيْ عَيْنَيْهَا ذَلِكَ الْحُبَّ وَهِيَ تُدَارِيْهِ خَجَلاً..؟
هَلْ رَأَيْتَ تَشَقُّقَ شَفَتَيْهَا مِنَ الدُّعَاءِ لَكَ فَجرَاً بِالشِّفَاءْ..؟
أَمَا سَمِعتَ نَشِيْجَها وَهِيَ تَدعُوْ لَكَ بِالصَّلاةِ وَقَد حَسِبَتْكَ نَائِمَاً مِنْ ثُقْلِ الْحُمَّىْ..؟!
أَمَا لَـمَحتَ ذَلِكَ الْبَرِيْقَ فِيْ عَيْنَيْهَا وَهِيَ تُزَمِّلُكَ بِبَطَّانِيَّة الصُّوفْ..؟
كَمْ تَمَنَّيْتَ أَنْ تَحضِنَها، أَوْ تُقَبِّلَ يَدَهَا وَتُدَفِّئَ بِهَا وَجنَتَيكْ.
أَمَا سَمِعتَ نَبْضَ قَلبِهَا وَهُوَ يَعلُوْ حِيْنَ تَضَعُ كَمَّادَةً عَلَىْ جَبِيْنِك ِالْـمُتَفَصِّدِ عَرَقَاً، وَأَنْتَ تَشِيْحُ بِوَجهِكَ عَنْ نَفَسِهَا الدَّافِئِ خَوْفَاً مِنْ أَنْ تَنْقُلَ إِلَيْهَا الْعَدوَىْ..!!
2
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
وَأَنْتَ تُرَاقِبُ الْحُبَّ وَالْحَيْرَةَ فِيْ عَيْنَيْ اِبْنِكَ الْـمُرَاهِقِ، وَهُوَ يَعرِضُ عَلَيْكَ الْـمُسَاعَدَةْ،
هَلْ لَمَحتَ ذَلِكَ الْحَمَاسَ فِيْ عَيْنَيْهِ وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَقُوْلَ لَك شَيْئَاً.
أَنْ يَعتَذِرَ مَثَلاً، وَهُوَ ذُو الشَّخَصِيَّةِ الْقَوِيَّةْ.
أَلا تَذْكُرُ كَمْ مَرَّةٍ حَاوَلْتَ اِسْتَفزَازَهُ لِتَرَىْ رَدَّةَ فِعْلِهِ،
إِنَّه يُشْبِهُكَ فِيْ كُلِّ شَيْءٍ،
وَلِهَذَا كَانَ إِهْدَاءُ مَجْمُوْعَتِكَ الشِّعرِيَّةِ الأَخِيْرةِ لَهُ بِكَلَمَاتٍ مِنْهَا:
لا تُشْبِهْنِيْ فِيْ حُزنِيْ يِابُنَيْ..!!
3
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
وَبُكَاءُ طِفْلَتِكَ الصَّغِيْرَةِ وَهِيَ تَرجُوْكَ بِاِبْتَسَامَتِهَا، أَنْ تَحضِنَهَا، وَبِحَرَكِةِ يَدَيْهَا تَدعُوَكَ لِكَيْ تُلاعِبَهَا كَكُلِّ مَسَاءْ.
وَتَضَعَهَا عَلَىْ رِجلَيْكَ وَتُؤَرَجِحَهَا كَيْ تَنَامَ وَتَهْزُجَ لَهَا:
"نِيْنُوْ تَنَامْ.. بَابَا يَنَامْ".
فَتَغفُوْ قَبْلَهَا وَلا تَسْتَيْقِظُ إِلاَّ عَلَىْ حَرَكَةِ أُمِّهَا وَهِيَ تَحمِلُهَا إِلَىْ سَرِيْرِهَا الصَّغِيرْ.
لَكِنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ هَذَا الْـمَسَاءْ، كَيْ لا تَنْقُلَ إِلَيْهَا الْعَدوَىْ،
فَبَكَتْ زَعَلاً مَنْكَ، وَنَامَتْ عَلَىْ صَدرِ أُمِّهَا هَذِهِ الْـمَرَّةَ بَدَلاً مِنْ أَنْ تَنَامَ عَلَىْ رِجلَيْكْ..!!
4
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحْمُومْ..؟
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ دُعَاءَ صَاحِبِ الْحُمَّىْ مُسْتَجَابٌ،
وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْرَبُ إِلَيْكَ - هَذَا الْـمَسَاءَ - مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدْ.
فَبَكَيْتَ وَحِيْدَاً، وَدَعَوْتَ:
رَبِّيْ "مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينْ".
وَدَعَوْتَ أُخْرَىْ:
رَبِّيْ وَدَاعتَكْ زَوْجَتِيْ وَأَطفَالِيْ يَا مَنْ لا تَضِيْعُ وَدَائِعُهْ.
لَقَدْ كُنْتَ مِنَ الْـمَوْتِ أَقْرَبَ، فَفَكَّرتَ بِرِثَاءِ نَفْسِكَ بَاكِيَاً،
قَبْلَ أَنْ يَرثِيْكَ أَصدِقَاؤُكَ الْـمُحِبُّونْ..!!
5
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
وَأَنْتَ تَرَىْ أُمَّكَ الْحَنُوْنَ، الْبَعِيْدَةَ آلافَ الْكِيْلُوْ مِتْرَاتِ وَقَدْ أَضَاءَ وَجهُهَا كَالْـمِصبَاحِ وَهِيَ تَدعُوْ لَكَ فِي الظَّلامْ،
وَحَاوَلْتَ أَنْ تَنْهَضَ لِتُقَبِّلَ قَدَمَيْهَا كِيْ تَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ،
وَلَمْ تَسْتَطِع فَاِكْتَفَيْتَ بِالتَّلْوِيْحِ لَهَا:
أُمِّيْ..
هَا أَنَذَا غَارِقٌ فِي الْحُمَّىْ وَالْعَرَقْ،
سَامِحِيْنِيْ لأنَّنِيْ بَعِيْدٌ بَعِيْدٌ،
وَلَمْ أُقَبِّلْ وَجهَكِ الْـمُضَاءَ بِالْعِفَّةِ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلْ.
وَسَامِحِيْنِيْ لأَنَّنِيْ اِختَرْتُ الْغُربَةَ،
وَأَنَّ الْغُربَةَ حُمَّىً أُخرَىْ تَزُوْرُنِيْ كُلَّ مَسَاءْ..!!
6
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
حِيْنَ رَأَيْتَ وَجهَ أَبِيْكَ مُبْتَسِمَاً فِيْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا غُرفَتِكِ الْمُعتِمَةْ.
كَانَ عِقالُهُ هَالَةً مِنَ النُّوْرِ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَيَدُهُ الْخَشَنِةُ تُلَوِّحُ لَكَ فِي الظَّلامْ.
أَمَا تَمَنَّيْتَ تَقْبِيْلَ يَدِهِ الَّتِيْ يُحِبُّهَا اللهُ، وَالَّتِيْ اِخشَوْشَنَتْ مِنْ أَجلِكَ وَأَجلِ إِخوَتِكَ كَيْ تَنْعَمُوْا بِمَا أَنْتُمْ بِهِ الآنْ.
آهٍ.. أَبِيْ، "يَدَاكَ أَوْكَتَا وَفُوْكَ نَفَخْ"،
لَمْ نَرُدِّ الْجَمِيْلَ كَمَا يَنْبَغِيْ،
كُنَّا حَمْقَىْ وَأَنَانِيِّيْنَ،
وَأَنْتَ (يَعْقُوْبُ) الطِّيِّبُ، الْـمُسَامِحُ، الْكَرِيْمُ، الْعَابِدُ، الْحَنُوْنُ، النَّبِيْلُ، الْفَرِيْدُ، ذُو الْحِكْمَةِ، النَّاصِحُ، الأَمِيْنُ، الْبَعِيْدُ، الْقَرِيْبُ، الُـمُتَفَرِّدُ عَنْ أَعمَامِيْ.
وَأَنَا الْـمَحْمُومُ أَشْتَهِيْ أَنْ تُسَامِحَنِيْ هَذَا الْمَسَاءْ..!!
7
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
وَأَيْامُ شَبَابِكَ تَمُرُّ صُوَرُهَا عَلَى الْجِدَارِ أَمَامَكَ،
كَمْ فَتَاةٍ أُعجِبْتَ بِهَا، وَكَمْ فَتَاةٍ أُعجِبَتْ بِكَ،
كُلُّهُنَّ مَضَيْنَ فِيْ طَرِيْقِهِنَّ،
وَأَنْتَ فِيْ طَرِيْقِكَ الطَّوِيْلِ مَا زِلْتَ تَمْضِيْ.
لَقَدْ أَصبَحَنَ رَبَّاتِ بُيُوْتٍ، مُحَصَّنَاتٍ،
أُمَّهَاتٍ وَجَدَّاتٍ،
مُعلِمَاتٍ، وَطَبِيْبَاتٍ، عَامِلاتٍ، مُنْتِجَاتٍ،
ذَوَاتِ أَنَفَةٍ وَكِبْرِيَاءْ.
لَنْ يَذكُرْنَكَ بَعدَ الْيَوْمِ إِلَّا حِيْنَ تُصَادِفُهُنَّ فِي الطَّرِيْقِ، أَوْ يَسْمَعنَ نَعوَةً تَحمِلُ اِسْمَكَ فَيَبْكِيْنَ حُزنَاً،
وَيَقْرَأْنَ الْفَاتِحَةَ عَلِيكْ..!!
8
حَسَنَاً..
هَلْ جَرَّبْتَ الْكِتَابَةَ يَوْمَاً وَأَنْتَ مَحمُومْ..؟
أَنَا جَرَّبْتُ ذَلِكَ يَا صَدِيْقِيْ،
وَلَكنَّنِيْ لَمْ أَسْتَطِع مَسْكَ الْقَلَمِ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّىْ فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَ جَدِّي الْـمُتَنَبِّي الْعَظِيمْ:
وَزَائِـــرَتِيْ كَـأَنَّ بِهَــا حَيَـــــاءً
فَلَيْسَ تَـزُوْرُ إِلَّا فِي. الظَّـلامِ
بَذَلْتُ لَهَا الْـمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا
فَعَافَتْـهَا وَنَامِتْ فِي عِظَامِيْ
...
#غرفة_العاشق_هذيان_حمى ط 1 / 2017 _ ط 2 / 2021
.. #محمد_حسين_حداد
#فرات_الشعر
#فوتوشعر