فِي الْخَمْسِينْ..
فِي الْخَمْسِينْ..
تَبْكِي الْعَينُ كَثِيْراً، وَلا دَمْعَ،
سِوَىْ دَمْعَةٍ عَلَىْ وَطَنٍ حَزِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
أبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ، وَلا وَطَنَ سِوَاكِ،
فَهَلْ تَكْفِيْنَنِيْ مَشَقَّةَ الْبَحثِ،
عَنْ وَطَنٍ بَدِيلْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
دَخَلْتُ حِزْبَ الْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ،
وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ؛
لِيُحِبَّنِي اللهُ وَأكُوْنَ مِنَ الْـمُحْسِنِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
يَتَعَثَّرُ الْقَلْبُ، وَيَفِزُّ لِيَحضِنَ طِفْلاً
- لَوْلا أُمُّهُ -
إِذَا عَثُرَتْ قَدَمَاهُ فِي الطَّرِيقْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
مَا قَهَرتُ يَتِيْمَاً يَوْمَاً،
وَمَا نَهَرْتُ سَائِلاً يَوْمَاً،
وَكُنْتُ دَائِمَاً..
بِنِعمَةِ رَبِّيْ أُحَدِّثُ
كيْ يُحِبَّنِيْ رَبُّ الْعَالَمِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
أَمُدُّ يَدِيْ لأُطعِمَ قِطَّةً جَائِعَةْ،
لَمْ تَجِدْ مِنْ خَشَاشِ الأَرضِ مَا تَأَكُلُهُ،
رُغْمَ ضَحِكَاتِ الْعَابِرِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
مَا وَدَّعَنِي رَبِّيْ، وَمَا قَلا
حِيْنَ سَجَا اللَّيلُ، وَسَأَلْتُهُ.
فَجَاءَنِيْ صَوْتٌ مِنْ بَعِيدْ:
"وَلَسَوْفَ يُعطِيْكَ رَبُّكَ فتَرضَىْ"،
أَيُّهَا الْـمِسْكينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
مَا كَذَبْتُ يَوْمَاً قَطُّ،
وَلَمْ أَكُنْ يَوْمَاً هَمَّازَاً،
أوْ مَشَّاءً بِنَمِيمْ.
وَحِيْنَ مَسَحتُ عَلَىْ رَأسِ يَتِيْمٍ يَوْمَاً؛
بَكَيْتُ، وَتَذَكَّرْتُ:
"أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيْمِ كَهَاتَينْ"..!
فِي الْخَمْسِينْ..
- وَقَبْلَ أَنْ يُدَاهِمَنِي الْكَرَىْ -
أَفْتَحُ قَلْبِيْ الأَبْيَضَ كُلَّ يَوْمٍ،
وَأَغْسِلُهُ بِيَدَيَّ الْخَشِنَتَيْنِ؛
لأُزِيْلَ نُقْطَةً سَوْدَاءَ
عَلِقَتْ عَلَىْ جِدَارِ الْبُطَينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
لَمْ أُصَعِّرْ خَدِّيَ لِلنَّاسِ،
وَلَمْ أَمْشِ فِي الأَرضِ مَرَحَاً،
فَأَحَبَّنِي الطَّيِّبُوْنَ
- كَمَا أَحبَبْتُهمْ -
وَأَحَبَّتِ الأَرضُ قَدَمِيْ؛
لأنَّنَي لَنْ أَخْرِقَ الْجِبَالَ طُوْلا..!
فِي الْخَمْسِينْ..
حَبَوْتُ كَطِفْلٍ رَضِيعْ،
فَتَسَلَّقُوا ظَهْرِيْ مِثْلَ جِرَاءٍ وَدِيْعَةْ.
مُبْتَسِمَاً أَثْغُو، أَوْ أَمُوْءُ،
وَسْطَ ضَحِكَاتِهِمِ الْبَرِيْئَةْ.
وَحِيْنَ يُحَاصِرُ الأَلَمُ رُكْبَتِيْ؛
أَنْبَحُ كَكَلْبٍ صَغِيرْ،
قَبْلَ أَنْ أَعَضَّ أَقْدَامَهُمْ النَّاعِمَةْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
لَمْ أَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ،
وَلَمْ أَنْهَرهُمَا،
وَقُلْتُ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيْمَا.
وَمَازِلتُ فِيْ سُجُوْدِيْ
أُغَالِبُ دَمْعِيْ حِيْنَ أدعُو:
"رَبِّي اِرحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا"..!
فِي الْخَمْسِينْ..
وَصَلْتُ رَحمِيْ، لا طَمَعَاً
لِيُبْسَطَ فِيْ رِزْقِيْ.
وَلا حُبَّاً
لِيُنْسَأَ فِيْ أَثَرِيْ.
لَكِنَّهُ الْقَلْبُ النَّظِيْفُ؛
وَوَصِيِّةُ أَبَوَيْنِ كَرِيْمَينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
يَسْبِقُنِيْ أَطفَالِيْ عَدوَاً فِي الْحَدِيْقَةْ.
فَتُرَاهِنُنِيْ أُمُّهُمْ.
أُسَابِقُهَا، فَتَسْبِقُنِيْ..!
وَحِيْنَ أَسْتَلْقِيْ عَلَى الْعُشْبِ لاهِثَاً؛
تَضْحَكُ الأَشْجَارُ مِنِّيْ، وَتَهْمِسُ:
يَا غَشَّاشْ..
كُنْتَ سَتَسْبِقُهَا فِي اللَّحظَةِ الأَخِيْرَةْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
آثَرْتُ عَلَىْ نَفْسِيْ كَثِيْرَاً،
وَكَانَ بِيْ خَصَاصَةٌ؛
رُغْمَ إنْكَارِ الْجَمِيلْ.
فَلَمْ أَمْنَعِ الْـمَاعُوْنَ يَوْمَاً، أَوْ أُرَائِيْ.
وَلَمْ أَكُنْ مِنَ السَّاهِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
حِيْنَ قُرِئَ؛ سَمِعتُ، وَأَنْصَتُّ،
وَكُنْتُ مِمَّنْ يَعقِلُونْ.
فَعَرَفْتُ، وَكُنْتُ أَعرِفُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ،
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ مَجْنُونْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
سَعَيْتُ فِيْ مَنَاكِبِهَا، فَعَانَدَنِي الْحَظُّ كَثِيْرَاً،
كَانَتْ وَاسِعَةً أرضُ اللهِ.
تَعِبْتُ، جُعتُ، سَهِرتُ، ظُلِمْتُ،
وَوَحِيْدَاً كُنْتُ..!
وَذَاتَ فَرَاغٍ نَصَبْتُ،
وَإِلَىْ رَبِّيْ رَغِبْتُ،
لأَنَّنِيْ تَذَكَّرتُ:
"إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً،
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَا".
فِي الْخَمْسِينْ..
يَتَأَرجَحُ الْقَلْبُ بَيْنَ الْوَفَاءِ وَالْخِيَانَةِ،
فَيَنْتَصِرُ الْوَفَاءُ لاِمْرَأَةٍ تَحَمَّلتْ كُلَّ تُرَّهَاتِيْ،
وَغُرُوْرِيْ،
وَقَصَائِدَ غَزَلِيْ لَهُنَّ،
وَتَحَمَّلتْ نَزَقِيْ،
وَسُلْطَتِي الذُّكُوْرِيَّةَ الْبَغِيْضَةْ،
وَرَضِيَتْ بِيْ مُسْتَقراً وَمَتاعَاً إِلَىْ حِينْ..!
فِي الْخَمْسِينْ..
رَبِّيْ شَرَحَ لِيْ صَدْرِيْ،
وَيَسَّرَ لِيْ أَمْرِيْ،
وَحَلَّ عُقْدَةَ لِسَانِيْ.
لأَنَّنِيْ وَاجَهْتُ قَدَرِيْ وَحِيْدَاً
فَاِنْتَهَيْتُ فِيْ سِجْنٍ كَبِيْرٍ،
وَغُربَةٍ،
وَمَنَفْىً بَعِيدْ.
لَمْ تَنْفَعنِيْ عَصَايَ،
وَلا يَدِيَ الْبَيْضَاءَ،
وَلا اِبِنَ أُمَّ.
فَأَطبَقَ الْبَحرُ عَلَيَّ مِرَارَاً عَدِيْدَةْ،
لَمْ أَمُتْ..
هَا أَنَا أَمَامَكُمْ..!
لَكِنَّ قَلْبِيَ أَصبَحَ أبْيَضَ بَدَلَ يُمْنَايْ.
وَزَوْجِي الْوَفيَّةُ،
الْحَبِيْبَةُ، النَّقِيَّةُ؛
أَصبَحَتْ عَصَايْ..!
وَلَمْ يَكُنْ اِبْنَ أُمَّ مَنْ أَشْدُدُ بِهِ أَزْرِيْ؛
بَلْ كَانَ وَلدِي الْوَحِيْدُ،
الْقَويُّ،
الأَمِيْنُ،
مِهْيَارْ..!
وَأُمُّ أَبِيْهَا الرَّقِيْقَةُ،
الْجَمِيْلَةُ،
عِشْتارْ..!
...
#لأنك_قلت_ما_بي ط 1 / 2015
.. #محمد_حسين_حداد
#فرات_الشعر
#فوتوشعر