الرئيسية
أحدث الصور
جدل .. للشاعر عبد الناصر حداد .. قصائد فلسفية تتسم بالوعي الجمالي الحداثي
اتسمت قصيدة العمود في وادي الفرات بالنظم ، منذ مطلع القرن العشرين ، من زمن الشاعر الفراتي العلم ، إلى وقتنا الراهن ، وخلوها من الصورة الفنية المبتكرة ، ما أدى إلى خفوت بريقها من مفكرة الذاكرة الجمعية للناس ، سوى شرائح اجتماعية قليلة ...
وفي خضم هذا اليباس الشعري ، فاجأنا الشاعر عبد الناصر حداد بشعر بديل اعتمد ( التفعيلة ) في مجموعته المتألقة ( جدل ) الصادرة عن بيت الشعر الفراتي - 2011 - في مئة وأربعين صفحة
امتازت قصائد الشاعر حداد بالوعي الجمالي الحداثي ، سواء أكان ذلك على صعيد البنية الفنية العامة أم على صعيد البنية الإيقاعية أم التصويرية أم على صعيد القيم الجمالية المطروحة .
قصائد تتفاعل مع المجتمع المحيط وما يحدث في العالم ، لتضع بصماتها على أساس يرتكز على التناقض والصراع وتبادل التأثير ... معتمدة على تجادلية الأشياء مع الحفاظ على التميز .
قصائد تحمل في ثناياها خلفية ثقافية فلسفية تتماهى مع مفردات الطبيعة وتطرح أسئلة كونية وعلمية هامة يتوحد فيها الشاعر مع التراب ، والماء ، والهواء ، والنار ، والموت ، والبعث ، والحساب ، والعقاب ، والهم الإنساني العام عبر لغة شفيفة ومأنوسة وانزياحية ، وقد استخدم رموزاً تاريخية وأسطورية وقرآنية ، مثل : ( أنكيدو ) ، و ( عشتار ) ، و ( يوسف )
و آيات ( خلق الناس من علق ) و ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات ) إلى ... الخ ..
ففي قصيدة جدل الحاملة لعنوان المجموعة يقول :
على عدم واسع نبتت عشبة
قيل عنها الخرافة
تطلع في الظل والصمت فوق سراب
وعلى عدم ضيق
طلعت وردة تتحدى الخراب
ويتابع إيقاعه الهادىء ليمجد أبطال الحجر ، الصامدون في كل الظروف والمحن ، حتى تطلع كينونة العدم :
على حجر يكتب الخالدون مسيرتهم في الزمان
على حجر في المكان
على حجر سأصلي
صلاة الشعوب في المكان ...
فلا موت في الوقت حين يهب الفرح
ثم حين يهب الألم
ثم لا حين إلا لتطلع كينونة العدم
في قصيدة مقام الرؤيا يحث الشاعر على كسر زجاج الصمت لتهل مواسم الربيع ، وينسكب بنفسج البحر ، هواء ...
ولأن هذا الصمت معدنه زجاج
قلت تأتي الأغنية
براً لتنهمر المواسم ...
بحراً لينسكب البنفسج
أوهواءاً ...
ولأن هذا الصوت منكسراً تماماً
قلت يلتحم النشيد مع النشيد ويصعدان
للصمت أغنية وللصوت اثنتان ...
إن الرمز لدى الشاعر حداد لا ينبع من اللغة أو التلاعب بالتفعيلات ، بل من الرؤيا الانكسارية المحزونة لما يجري هنا وهناك من كوارث تطال الشعوب ، وهذا ما يميز رؤياه وليس رؤيته .
وهو يذكرني بقول أدونيس في تعريفه للشعر الحداثي :
( إنه رؤيا . والرؤيا بطبيعتها قفزة خارج المفهومات السائدة . وهي إذن تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها )
ويرصد الشاعر في مجموعته الهم العربي العام بإطار فلسفي يحمل دلالاته ووعيه الجمالي القائم على الصراع بين الخير والشر ...
ويستخدم في ذلك تنويعات تجريبية على الورق البياض ، من تكرار نقاط ، وفراغات ، وأشكال هرمية وهندسية من خلال جمل قصيرة وطويلة منثورة بأشكال مختلفة على« سفح أوراقه ... جمل تحمل في غموضها المحبب ( توتر درامي ) يعلو حيناً ويخفت حيناً آخر :
خانق هذا الهواء
وجحيمي النسائم
خانق حتى العماء
ها المسفوح في ليل الهزائم
وعلينا ما علينا من ضغوط واختناق
وعلينا أن نقاوم ...
ويستمر الشاعر في نفسه القومي ويدين احتلال العراق .
ها هو يخاطب طغاة الغزو وأعداء الحضارة :
خذوا النفط والأسلحة
صادروا من قرانا
الطيور البرئية والجارحة
وأعيدوا لنا
صوت جلجامش حين يسأل
عن سر هذه الحياة
وفي قصيدة ( أندلس الفرات ) يمجد الشاعر الشهيد محمود الذي نسي كل شيء ، حتى اسمه إلا الوطن :
محمود الشهيد المقاوم
من حزنه نسي الحزن
نسي القصيدة والشجن
نسي اسمه أيضاً ولم ينس الوطن
إن تقنيات الصورة الحديثة واضحة في شعر عبد الناصر حداد فهي قد جاءت عبر المجاز ومن خلاله ولدت الفكرة
وهذا ما يؤكد قول ( بيلينسكي ) : ( الفن تفكير في صور )
جدير بالذكر أن الشاعر حداد كان قد حاز على جوائز عربية أهمها :
جائزة سعاد الصباح - 1997 -
وشعراء بلا حدود - الأردن - 2008 -
وجائزة ربيعة الرقي - 2009 -
وهو عضو اتحاد الكتاب العرب ، وله عدة مجموعات شعرية ومؤسس بيت الشعر الفراتي بدير الزور .
مهيدي عبدالقادر
الأحد27/2/2011
صحيفة الفرات
http://furat.alwehda.gov.sy/_kuttab_a.asp?FileName=2117783020110227004950
